تُعَدُّ قضايا الإهمال الطبي من المسائل الحساسة التي تمسّ صحة الأفراد وحقوقهم، وتستوجب اهتمامًا خاصًا لضمان تقديم رعاية صحية آمنة وفعّالة، في دولة الإمارات العربية المتحدة، تم وضع إطار قانوني متكامل لتنظيم المسؤولية الطبية ومحاسبة المقصّرين، بهدف حماية المرضى وضمان جودة الخدمات الصحية.
وفي هذا المقال سنستعرض بالتفصيل مفهوم الإهمال الطبي، أركانه، مسؤولية الطبيب عن الخطأ الطبي، التمييز بين الخطأ الطبي الجسيم والبسيط، والعقوبات المترتبة على هذه الأخطاء وفقًا للقانون الإماراتي.
تعريف قضايا الإهمال الطبي
قضايا الإهمال الطبي هو تقصير مقدم الخدمة الطبية في تقديم الرعاية الصحية المطلوبة وفقًا للمعايير الطبية المعترف بها، مما يؤدي إلى إلحاق ضرر بالمريض، يتضمن ذلك عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة، أو اتخاذ إجراءات غير مناسبة، أو عدم تقديم الرعاية بالمهارة والحذر اللازمين.
أركان جريمة الإهمال الطبي
لتحديد وقوع جريمة الإهمال الطبي يجب توافر الأركان التالية:
- الواجب القانوني: وجود التزام قانوني على مقدم الخدمة الطبية بتقديم الرعاية الصحية للمريض.
- الإخلال بالواجب: تقصير مقدم الخدمة الطبية في أداء هذا الواجب، سواء بعمل فعل خاطئ أو بالامتناع عن فعل واجب.
- الضرر: حدوث ضرر فعلي للمريض نتيجة لهذا الإخلال.
- العلاقة السببية: وجود علاقة مباشرة بين الإخلال بالواجب والضرر الذي لحق بالمريض.
مسؤولية الطبيب عن الخطأ الطبي
المسؤولية المدنية:
تتعلق المسؤولية المدنية بالتعويض عن الأضرار التي تلحق بالمريض نتيجة الخطأ الطبي، حيث يُلزم القانون الإماراتي الطبيب ببذل العناية اللازمة وفقًا للأصول العلمية المتعارف عليها، وليس بتحقيق نتيجة محددة، إذا ثبت تقصير الطبيب وأدى ذلك إلى ضرر للمريض يحق للمريض المطالبة بتعويض مدني عن قضايا الإهمال الطبي.
المسؤولية الجنائية:
تنشأ المسؤولية الجنائية عندما يرتكب الطبيب خطأ جسيمًا يؤدي إلى وفاة المريض أو إصابته بعاهة مستديمة، في هذه الحالات يُعاقَب الطبيب وفقًا لأحكام قانون العقوبات الإماراتي.
الخطأ الطبي الجسيم
الخطأ الطبي الجسيم هو ذلك الخطأ الذي يتجاوز حدود الإهمال البسيط، ويعكس تقصيرًا فادحًا أو عدم اكتراث جسيم من قبل مقدم الخدمة الطبية، يتضمن ذلك حالات مثل إجراء عمليات جراحية دون التأكد من الحاجة إليها، أو تقديم علاج غير مناسب لحالة المريض بشكل واضح.
الفرق بين الخطأ الطبي البسيط والخطأ الطبي الجسيم
الخطأ الطبي البسيط قد يحدث نتيجة سهو أو تقصير غير مقصود، بينما الخطأ الطبي الجسيم ينطوي على إهمال فادح أو تقصير شديد يتجاوز الحدود المقبولة للممارسة الطبية، وفي القانون الإماراتي يتم التعامل مع الخطأ الجسيم بصرامة أكبر نظرًا لتأثيره البالغ على حياة المرضى.
عقوبة الخطأ الطبي في القانون الإماراتي

حدد القانون الإماراتي العقوبات المتعلقة بالأخطاء الطبية وقضايا الإهمال الطبي على النحو التالي:
- في حالة الخطأ الطبي البسيط: قد يُطلب من الطبيب دفع تعويض مالي للمريض المتضرر، بناءً على تقدير المحكمة لحجم الضرر والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.
- في حالة الخطأ الطبي الجسيم: قد تصل العقوبة إلى السجن والغرامة المالية، خاصة إذا أدى الخطأ إلى وفاة المريض أو إصابته بعاهة مستديمة. يتم تحديد مدة السجن وقيمة الغرامة بناءً على جسامة الخطأ والظروف المحيطة به.
دور الجهات المختصة في التحقيق والمساءلة
تتولى الجهات المختصة في دولة الإمارات، مثل وزارة الصحة ووقاية المجتمع والهيئات الصحية المحلية، مسؤولية التحقيق في الشكاوى المقدمة ضد مقدمي الخدمة الطبية بشأن قضايا الإهمال الطبي حيث يتم تشكيل لجان متخصصة تضم خبراء في المجال الطبي والقانوني للنظر في هذه الشكاوى وتقديم التوصيات المناسبة.
أهمية التأمين ضد المسؤولية الطبية
يُعتبر التأمين ضد المسؤولية الطبية من الوسائل المهمة لحماية الأطباء والمؤسسات الطبية من التبعات المالية للأخطاء الطبية، حيث يوفر هذا التأمين تغطية للتعويضات التي قد تُحكم بها المحاكم لصالح المرضى المتضررين، مما يساهم في استقرار الممارسة الطبية وضمان حقوق المرضى في الحصول على التعويض المناسب.
تعويض الخطأ الطبي في الإمارات
في دولة الإمارات العربية المتحدة يُمنح المرضى الذين يتعرضون لأخطاء طبية الحق في المطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم، ويتم تحديد قيمة التعويض بناءً على حجم الضرر المادي والمعنوي الذي تعرض له المريض.
حيث لا يوجد مبلغ ثابت للتعويض كما يختلف باختلاف تفاصيل كل حالة، على سبيل المثال في إحدى القضايا قضت محكمة الاستئناف المدنية في دبي بتعويض قيمته 800 ألف درهم لمصلحة ضحية خطأ طبي فادح وزوجته وابنته، بعد أن كانت محكمة أول درجة قد قضت بتعويض ثلاثة ملايين درهم.
صيغة دعوى تعويض عن خطأ طبي
عند تقديم دعوى تعويض عن قضايا الإهمال الطبي في الإمارات، يجب أن تتضمن صحيفة الدعوى العناصر التالية:
- بيانات المدعي والمدعى عليه: تحديد هوية المريض (المدعي) والطبيب أو المؤسسة الطبية المسؤولة (المدعى عليه).
- تفاصيل الواقعة: شرح مفصل للخطأ الطبي المرتكب والضرر الناتج عنه.
- الأدلة الداعمة: إرفاق التقارير الطبية، الشهادات، وأي مستندات تثبت وقوع الخطأ والضرر.
- الطلبات: تحديد مبلغ التعويض المطلوب وأي طلبات أخرى مثل تصحيح الخطأ أو تقديم اعتذار.
يُنصح بالاستعانة بمحامٍ مختص في قضايا الإهمال الطبي لضمان إعداد الدعوى بشكل صحيح ومهني.
نموذج دعوى تعويض عن خطأ طبي جاهز
محكمة: [تكتب هنا المحكمة المختصة، مثل محكمة أبوظبي الابتدائية]
الدائرة: المدنية / التعويضات
الرقم: (يُترك فارغًا لرقم القيد)
المدعي:
الاسم: …………………..
الجنسية: …………………..
رقم الهوية الإماراتية: …………………..
العنوان: …………………..
هاتف: …………………..
المدعى عليه:
الاسم: ………………….. (الطبيب أو المنشأة الطبية)
الوظيفة/الجهة: …………………..
العنوان: …………………..
الموضوع: دعوى تعويض عن خطأ طبي
الوقائع:
بموجب هذه الصحيفة، أتقدم إلى عدالة المحكمة الموقرة بطلب تعويض مادي ومعنوي ناتج عن خطأ طبي جسيم ارتكبه المدعى عليه أثناء تقديمه الرعاية الصحية لي/للمريض ………… بتاريخ ………. في مستشفى/عيادة ……………….، حيث قام المدعى عليه بـ [شرح تفاصيل الخطأ الطبي: كإجراء عملية غير لازمة، أو تشخيص خاطئ، أو وصف دواء غير مناسب، أو إهمال في الرعاية بعد العملية].
وقد ترتب على هذا الخطأ ضرر جسدي ومعنوي جسيم تمثل في [وصف الإصابة أو العجز أو الألم النفسي]، كما هو موضح في التقرير الطبي الصادر عن [اسم المستشفى/الجهة] بتاريخ …………. والمرفق طيه.
الطلبات:
- قبول الدعوى شكلًا.
- ندب لجنة طبية متخصصة لفحص الحالة وتحديد مدى جسامة الخطأ الطبي.
- إلزام المدعى عليه بأن يؤدي للمدعي مبلغًا وقدره (……………. درهم) تعويضًا عن الضرر المادي والمعنوي.
- إلزام المدعى عليه بالرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة.
- ما تراه المحكمة من طلبات عادلة ومنصفة أخرى.
الأدلة والمرفقات:
- صورة بطاقة الهوية الإماراتية.
- التقرير الطبي الأولي.
- فواتير العلاج.
- صور وتقارير من اللجنة الطبية (إن وجدت).
- إيصالات المصاريف الطبية المستمرة.
- إثبات العلاقة الطبية (إقرار دخول، أو فواتير علاج، أو ملف طبي).
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،
تحريرًا في: ../../20
المحامي/المدعي: …………………..
التوقيع: ……………………
طريقة تقديم شكوى خطأ طبي

في حال تعرّض أي مريض أو ذويه لخطأ طبي، فإن القانون الإماراتي يوفّر آلية واضحة لتقديم الشكاوى والتحقيق في المسؤولية الطبية، وذلك ضمن إطار يحفظ حقوق المرضى ويضمن الشفافية، وتشمل خطوات تقديم الشكوى:
- تحديد الجهة المختصة:
تختلف الجهة بحسب الإمارة:- في أبوظبي: تُقدَّم الشكوى إلى دائرة الصحة – أبوظبي.
- في دبي: تُرفَع الشكوى إلى هيئة الصحة بدبي (DHA).
- في الإمارات الأخرى: عبر وزارة الصحة ووقاية المجتمع أو الهيئات المحلية المختصة.
- تعبئة نموذج الشكوى:
تقوم الجهة المختصة بتوفير نموذج إلكتروني (أو ورقي) يتضمن تفاصيل المريض، الطبيب المعالج، المنشأة الصحية، ونوع الخطأ المرتكب. - إرفاق المستندات:
يجب دعم الشكوى بالمستندات التالية:- نسخة من الهوية الإماراتية أو جواز السفر.
- التقارير الطبية.
- نتائج الفحوصات أو العمليات.
- أي مستندات تدل على الضرر أو الخطأ.
- تقديم الشكوى رسميًا:
يمكن تقديمها إلكترونيًا عبر موقع الهيئة (مثل: doh.gov.ae أو dha.gov.ae)، أو بالحضور الشخصي إلى مقر الجهة المختصة. - المتابعة مع لجنة المسؤولية الطبية:
يتم تحويل الشكوى إلى لجنة فنية مختصة تُسمى “لجنة المسؤولية الطبية”، تقوم بمراجعة الأدلة والتقارير وتحقيق فني مستقل لتحديد إن كان الخطأ الطبي واقعًا فعلًا. - استلام الرد الرسمي:
بعد انتهاء اللجنة من تحقيقاتها، تصدر تقريرًا يُستخدم كأساس للتسوية أو لرفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة.
مقالات قد تعجبك:
قانون المسؤولية الطبية
صدر في الإمارات المرسوم بقانون اتحادي رقم (4) لسنة 2016 بشأن المسؤولية الطبية وقضايا الإهمال الطبي، والذي يهدف إلى تنظيم العلاقة بين مقدمي الخدمات الصحية والمرضى، وتحديد المسؤوليات والالتزامات، ووضع العقوبات المناسبة في حالات قضايا الإهمال الطبي أو الخطأ، حيث ينص القانون على تشكيل لجان للمسؤولية الطبية للتحقيق في الشكاوى المقدمة، وتحديد ما إذا كان هناك خطأ طبي يستوجب التعويض أو العقوبة.
الأسئلة الشائعة حول قضايا الإهمال الطبي:
كم مبلغ تعويض الخطأ الطبي؟
لا يوجد مبلغ ثابت لتعويض قضايا الإهمال الطبي في الإمارات، حيث يتم تحديده بناءً على حجم الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بالمريض، في بعض الحالات قد يصل التعويض إلى مئات الآلاف من الدراهم، كما في القضية المذكورة سابقًا حيث تم تعويض الضحية بمبلغ 800 ألف درهم.
ما هي دعوى الإهمال الطبي الأكثر شيوعًا؟
تشمل دعاوى قضايا الإهمال الطبي الشائعة في الإمارات:
- الأخطاء في التشخيص: مثل عدم تشخيص الحالة بشكل صحيح أو تأخير التشخيص.
- الأخطاء الجراحية: مثل إجراء عمليات على العضو الخطأ أو ترك أدوات جراحية داخل الجسم.
- الأخطاء الدوائية: مثل وصف أدوية غير مناسبة أو بجرعات خاطئة.
- الإهمال في الرعاية اللاحقة: عدم تقديم متابعة مناسبة بعد العمليات أو العلاجات.
هذه الدعاوى تستند إلى إثبات أن مقدم الخدمة الطبية لم يلتزم بالمعايير المهنية المقبولة، مما أدى إلى إلحاق ضرر بالمريض.
ما هي عقوبة الإهمال الطبي في المستشفيات؟
وفقًا لقانون المسؤولية الطبية في الإمارات، تختلف العقوبات بناءً على جسامة قضايا الإهمال الطبي:
- الخطأ الطبي الجسيم: يعاقَب مرتكبه بالحبس لمدة لا تزيد على سنة، وغرامة لا تجاوز 200,000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- إذا ترتب على الخطأ الطبي الجسيم وفاة شخص: تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين، وغرامة لا تجاوز 500,000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
كيف أثبت الإهمال الطبي؟
لإثبات قضايا الإهمال الطبي في الإمارات، يجب تقديم الأدلة التالية:
- وجود علاقة علاجية: إثبات أن المريض كان تحت رعاية الطبيب أو المؤسسة الطبية.
- إثبات الإخلال بواجب الرعاية: تقديم دليل على أن مقدم الخدمة الطبية لم يلتزم بالمعايير المهنية المقبولة.
- إثبات الضرر: تقديم تقارير طبية تثبت حدوث ضرر جسدي أو نفسي للمريض.
- إثبات العلاقة السببية: ربط مباشر بين الإخلال بواجب الرعاية والضرر الذي لحق بالمريض.
الخاتمة’
قضايا الإهمال الطبي من القضايا المعقدة تتطلب توازنًا دقيقًا بين حماية حقوق المرضى وضمان بيئة عمل عادلة للأطباء، من خلال وضع تشريعات واضحة وتطبيقها بحزم، يمكن تحقيق هذا التوازن، مما يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية في المجتمع الإماراتي.

المحامية آلاء الجسمي
المحامية آلاء الجسمي، مؤسسة والرئيس التنفيذي لمكتب آلاء الجسمي للمحاماة في الإمارات، محام عام بخبرة أكثر من 10 سنوات متخصصة في قضايا الأحوال الشخصية، والقضايا الجنائية والمدنية، القضايا المتعلقة ب طقانون الشركات، البنوك، والقانون التجاري، تُعد من المحامين البارزين في مدينة عجمان، وتغطي بخدماتها القانونية إمارات الشارقة، دبي، العين، الفجيرة، وأم القيوين.