في العصر الحديث، ومع التطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الإنترنت، أصبح العالم قرية رقمية صغيرة، لكن مع هذا الانفتاح الكبير، ظهرت ظواهر سلبية تهدد الأفراد والمؤسسات، وأبرزها التشهير الإلكتروني، الذي يُعد من أخطر الجرائم المعلوماتية التي تمس بسمعة الأشخاص وتنتهك خصوصيتهم علنًا.
التشهير الإلكتروني لا يقتصر فقط على نشر معلومات كاذبة، بل يشمل أيضًا تداول صور، مقاطع فيديو، أو رسائل بهدف الإيذاء المعنوي أو الاجتماعي، في هذا المقال، نسلط الضوء على أنواع التشهير الإلكتروني، ونتعرف على أشكاله القانونية، وأثره على الضحايا، وكيف يمكن التعامل معه قانونيًا في العالم العربي، وخاصة في دول الخليج.
ما هو التشهير الإلكتروني؟
التشهير الإلكتروني هو استخدام الوسائل الرقمية مثل الإنترنت، أو منصات التواصل الاجتماعي، أو البريد الإلكتروني، لنشر معلومات أو صور أو مقاطع تهدف إلى الإضرار بسمعة شخص أو جهة، سواء كانت هذه المعلومات صحيحة أو غير صحيحة.
يعرفه القانون الإماراتي ضمن قانون الجرائم الإلكترونية بأنه “نشر أو بث محتوى يسيء إلى الآخرين عبر الوسائط الإلكترونية بقصد الإضرار أو الانتقاص من كرامتهم أو مكانتهم الاجتماعية”.
أنواع التشهير الإلكتروني

هناك عدة أنواع من التشهير الإلكتروني، وتختلف حسب الوسيلة المستخدمة أو طبيعة المحتوى المُشهر به، ومن أبرزها:
التشهير بالنصوص أو المقالات
ويعد من أكثر أنواع التشهير الإلكتروني شيوعًا، حيث يقوم الجاني بكتابة منشورات أو تعليقات تتضمن إهانة أو تحقير أو اتهامات باطلة ضد شخص معين، ويتم نشرها عبر: فيسبوك، تويتر (X)، انستغرام، المنتديات والمدونات الإلكترونية
هذا النوع من التشهير الإلكتروني قد يأخذ شكل إشاعات مكتوبة، أو قصص مختلقة تهدف إلى النيل من الضحية أمام المتابعين.
التشهير بالصور أو المقاطع المصورة
يحدث عندما يقوم الفاعل بنشر صور خاصة أو مقاطع فيديو تم الحصول عليها بشكل غير مشروع أو حتى تم الحصول عليها بإذن سابق ولكن استُخدمت لاحقًا بطريقة مسيئة، مثل: نشر صور خاصة بدون إذن، فبركة مقاطع فيديو للإساءة، تسريب تسجيلات صوتية بهدف الفضيحة، هذا النوع يعد من أخطر أنواع التشهير الإلكتروني بسبب انتهاكه المباشر للخصوصية.
التشهير عبر الرسائل الخاصة
بعض الأشخاص يلجؤون إلى إرسال رسائل تتضمن تهديدات أو إهانات أو سب وقذف بشكل مباشر إلى الشخص المستهدف، وقد تنتشر هذه الرسائل لاحقًا عند تداولها بين الآخرين، ورغم خصوصيتها فإنها تقع ضمن أنواع التشهير الإلكتروني في حال إثبات نية الضرر والإساءة المتعمدة.
التشهير باسم جهة عمل أو مؤسسة
قد يتعرض بعض الموظفين أو الشركات لحملات تشهير من قبل عملاء، منافسين، أو حتى موظفين سابقين، حيث يتم: نشر تقييمات كاذبة، اختلاق وقائع فساد أو احتيال، دعوات لمقاطعة الجهة
هذا النوع من التشهير الإلكتروني يضر بسمعة المؤسسات ويؤثر بشكل مباشر على أعمالها ومصداقيتها.
التشهير بالعلاقات الشخصية
مثل تشهير أحد الأطراف بآخر بعد انتهاء علاقة زواج أو خطوبة أو صداقة، وذلك عبر نشر محادثات خاصة أو تفاصيل شخصية.
يُصنّف هذا النوع من أنواع التشهير الإلكتروني ضمن الابتزاز العاطفي أو الانتقام الرقمي، وغالبًا ما يسبب ضررًا نفسيًا واجتماعيًا بالغًا للضحية.
العوامل المشتركة في جرائم التشهير الإلكتروني
رغم اختلاف أنواع التشهير الإلكتروني، إلا أن هناك عناصر رئيسية مشتركة لا بد من توفرها لاعتبار الفعل جريمة يعاقب عليها القانون:
- نية الإضرار: وجود تعمد في النشر بقصد الإساءة.
- علنية النشر: وصول المحتوى المُشهر به إلى الآخرين.
- التقنية المستخدمة: استخدام وسيط إلكتروني في عملية التشهير (مواقع، تطبيقات، بريد…).
عقوبات التشهير الإلكتروني في الإمارات

نجد أن دولة الإمارات تهتم بشكل كبير بجرائم التشهير الإلكتروني وتقدر مدي خطورتها، لهذا فقد حددت العقوبات المقررة في قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم 34 لسنة 2021، والذي يتضمن:
- السجن لمدة تصل إلى سنتين.
- غرامات مالية تبدأ من 50,000 درهم وقد تصل إلى 500,000 درهم.
- الحجب المؤقت أو الدائم للحسابات أو المواقع المتورطة.
وفي حال كان التشهير متعلقًا بمؤسسات حكومية أو جهات سيادية، فقد تكون العقوبة أشد.
كيف تحمي نفسك من التشهير الإلكتروني؟
للوقاية من الوقوع ضحية التشهير الإلكتروني، يُنصح باتباع ما يلي:
- عدم مشاركة معلومات شخصية حساسة عبر الإنترنت.
- الاحتفاظ بالأدلة في حال التعرض للتشهير (لقطات شاشة، روابط).
- التبليغ الفوري للجهات المختصة مثل:
- شرطة دبي الإلكترونية
- وحدة مكافحة الجرائم المعلوماتية
- عدم الرد على المسيئين لتجنب التصعيد أو الوقوع في الخطأ.
خطوات قانونية إذا كنت ضحية للتشهير الإلكتروني
إذا تعرضت لأي شكل من أشكال أو أنواع التشهير الإلكتروني قم بالخطوات التالية:
- جمع الأدلة: احفظ كل الرسائل، الصور، أو الفيديوهات المسيئة.
- تقديم بلاغ رسمي: يمكنك التوجه إلى النيابة العامة أو الشرطة.
- الاستعانة بمحامٍ مختص: لرفع دعوى قانونية واسترجاع حقوقك.
- المطالبة بالتعويض: إذا ثبت الضرر، يحق لك المطالبة بتعويض مادي ومعنوي.
الفرق بين النقد المباح والتشهير الإلكتروني
من المهم التمييز بين حرية التعبير عن الرأي والنقد البنّاء، وبين أنواع التشهير الإلكتروني:
- النقد المباح: يهدف إلى التصحيح أو الإبلاغ عن خلل
- التشهير الإلكتروني: يهدف إلى الإساءة والتشهير والإضرار
- النقد المباح: يتم بلغة محترمة وموضوعية.
- التشهير الإلكتروني: يستخدم كلمات جارحة أو معلومات مضللة
- النقد المباح:لا ينتهك خصوصية أحد.
- التشهير الإلكتروني: يتضمن اختراقًا للخصوصية ونشرًا لمعلومات شخصية
الآثار النفسية والاجتماعية للتشهير الإلكتروني
تترك أنواع التشهير الإلكتروني المختلفة آثارًا نفسية عميقة قد تمتد لفترات طويلة، خاصة إذا تم تداوله بشكل واسع على الإنترنت، يشعر الضحية غالبًا بالإهانة والقلق والاكتئاب، وقد يعاني من العزلة الاجتماعية نتيجة الإحراج أو فقدان الثقة بالنفس.
وفي بعض الحالات، قد يتأثر مستقبله المهني أو الدراسي، إذا ارتبطت المعلومات المنشورة بسمعته أو كفاءته، لذلك، من الضروري التعامل مع التشهير بسرعة ووعي، للحد من تبعاته النفسية والاجتماعية والقانونية.
كيفية التصدي للتشهير الإلكتروني
- التصدي لأنواع التشهير الإلكتروني يتطلب خطوات قانونية ونفسية متوازنة، في البداية، يجب توثيق كل الأدلة من صور، رسائل، أو منشورات تمس بالسمعة، مع أخذ لقطات شاشة وحفظ الروابط والتواريخ.
- بعد ذلك، يُنصح بـ التوجه إلى الجهات المختصة مثل الشرطة أو وحدات مكافحة الجرائم الإلكترونية لتقديم بلاغ رسمي. كما يُفضل الاستعانة بمحامٍ مختص بالقانون الرقمي لمتابعة الإجراءات القضائية وطلب التعويض إن لزم.
- بجانب الجانب القانوني، من المهم عدم الرد أو التفاعل مع المسيئين، لتفادي التصعيد.
- ويمكن أيضًا طلب إزالة المحتوى المسيء من المنصات الرقمية من خلال تقديم بلاغ إلى إدارة الموقع.
دور التوعية في الوقاية من التشهير
الوقاية من أنواع التشهير الإلكتروني تبدأ من الوعي الرقمي، من المهم:
- عدم نشر معلومات خاصة أو صور حساسة على الإنترنت
- ضبط إعدادات الخصوصية في الحسابات
- عدم مشاركة أي محتوى سلبي أو غير موثق
- تعليم الأبناء خصوصًا عن مخاطر الإنترنت
متى يجب استشارة محامي؟
في حال استمرار التشهير أو انتشاره على نطاق واسع، يجب استشارة محامٍ متخصص في الجرائم الإلكترونية، المحامي يساعد في:
- تقديم الشكوى القانونية بالطريقة الصحيحة
- التفاوض مع المنصات الإلكترونية
- تمثيل الضحية أمام الجهات القضائية
دور المؤسسات والمنصات في مكافحة التشهير
على المنصات الرقمية مسؤولية كبيرة في التصدي للتشهير، مثل:
- الاستجابة السريعة لبلاغات الإساءة
- توفير أدوات الإبلاغ الفعالة
- التعاون مع السلطات في التحقيقات
- حذف المحتوى المسيء فور التأكد من المخالفة

المحامية آلاء الجسمي
المحامية آلاء الجسمي، مؤسسة والرئيس التنفيذي لمكتب آلاء الجسمي للمحاماة في الإمارات، محام عام بخبرة أكثر من 10 سنوات متخصصة في قضايا الأحوال الشخصية، والقضايا الجنائية والمدنية، القضايا المتعلقة ب طقانون الشركات، البنوك، والقانون التجاري، تُعد من المحامين البارزين في مدينة عجمان، وتغطي بخدماتها القانونية إمارات الشارقة، دبي، العين، الفجيرة، وأم القيوين.